الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال بعضهم: قد أخبر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم عن هذا العلم أنه ينسى وأنه أول ما ينسى وخبر الصادق واجب الوقوع وواجب الوقوع لا يرفعه تعلمه ولا غيره فكيف أوقعه موقع العلة للحث على تعلمه؟ وأجيب بأن تعلم العلم من حيث هو فخار في الدارين وزمن الانتزاع غيب عنا فكأنه حث على تعلمه واغتنام زمن وجوده وانتهاز الفرصة في تحصيله قبل انتزاعه فيفوت تحصيل أجره وذلك يدل على عظم شأنه فهو كخبر حجوا قبل أن لا تحجوا أي اغتنموا فرصة الإمكان والفوز بهذا الثواب العظيم قبل أن يفوت لأنه فائت. - (ه ك) في الفرائض (عن أي هريرة) قال الحافظ الذهبي: فيه حفص بن عمر بن العطاف واه بمرة وقال ابن حجر: مداره على حفص هذا وهو متروك قال البيهقي: تفرد به حفص وليس بقوي. 3326 - (تعلموا الفرائض والقرآن وعلموا الناس فإني مقبوض) قال الطيبي: هذا كقوله تعالى: - (ت) في الفرائض من حديث شهر بن حوشب (عن أبي هريرة) وقال فيه اضطراب انتهى فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه ما عقبه له من بيان علته غير مرضي وقضية صنيع المؤلف أيضاً أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد قال الحافظ في الفتح: خرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما انتهى قال الحافظ: رواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي. 3327 - (تعلموا القرآن واقرأوه وارقدوا) أي اجعلوا آخر عملكم بالليل قراءة شيء منه كآية الكرسي وسورة الكافرون (فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به) يحتمل أنه أراد في الصلاة (كمثل جراب) بكسر الجيم معروف وقال الصدر المناوي: العامة تفتحها (محشو مسكاً يفوح ريحه في كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مسك) فهو لا يفوح منه شيء وإن فاح فقليل وهذا يشير إلى أن المراد بالقيام فيه قراءته في التهجد وأما حمل القيام به على العمل بما فيه فلا يلاءم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق. - (ت) في فضائل القرآن (ن) في السير (ه) في السنة (حب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب انتهى، واعلم أني وقفت على أصول صحيحة فلم أر فيها لفظ وارقدوا - فليحرر. 3328 - (تعلموا كتاب اللّه) القرآن أي احفظوه وتفهموه (وتعاهدوه) زاد في رواية واقتنوه أي الزموه (وتغنوا به) أي اقرأوه بتحزين وترقيق وليس المراد قراءته بالألحان والنغمات (فوالذي نفسي بيده) بقدرته وتصرفه (لهو أشد تفلتاً) أي ذهاباً (من المخاض) أي النوق الحوامل (في العقل) حمع عقال وعقلت البعير حبسته وخص ضرب المثل بها لأنها إذا انفلتت لا تكاد تلحق. - (حم عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. 3329 - (تعلموا من قريش) القبيلة المعروفة -وحذف المعمول يفيد العموم أي تعلموا منها كل شيء يطلب تعلمه- (ولا تعلموها) الشجاعة أو الرأي الصائب والحزم الثاقب والقيام بمعاظم الأمور ومهمات العلوم فإنها بها عالمة (وقدموا قريشاً) في المطالب العالية والمصادر السامية (ولا تؤخروها) زاده [ص 256] تأكيداً في طلب التقديم وإلا فهو معلوم منه وعلل ذلك بقوله (فإن للقرشي) أي للرجل القرشي (قوة رجلين) أي مثل قوة اثنين (من غير قريش) فعلم أن المراد القوة العلمية والقوة في الشجاعة والرأي كما تقرر وهو يدل على أن المراد بالتقديم التقديم للإمامة العظمى والإمارة. - (ش عن سهل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة عبد اللّه وقيل عامر بن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير مات المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه فإنه ولد سنة ثلاث من الهجرة وله أحاديث غير هذا واختلف في اسم أبي خثمة فقيل عبد اللّه وقيل عامر مات سهل في خلافة معاوية. 3330 - (تعلموا من النجوم) أي من علم أحكامها (ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر) فإن ذلك ضروري لا بد منه سيما للمسافر (ثم انتهوا) فإن النجامة تدعو إلى الكهانة والمنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر في النار كذا علله علي كرم اللّه وجهه قال ابن رجب: والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير فإنه باطل محرم قليله وكثيره وفيه ورد الخبر الآتي من اقتبس شعبة من النجوم إلخ وأما علم التسيير فتعلم ما يحتاج إليه من الاهتداء ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور بهذا الخبر قال ابن رجب: وما زاد عليه لا حاجة إليه لشغله عما هو أهم منه وربما أدى تدقيق النظر فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين كما وقع من أهل هذا العلم قديماً وحديثاً وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأِ السلف في صلاتهم وهو باطل. قال الزمخشري: كان علماء بني إسرائيل يكتمون علمان عن أولادهم: النجوم والطب لئلا يكونا سبباً لصحبة الملوك فيضمحل دينهم. - (ابن مردويه) في التفسير (خط في كتاب النجوم عن عمر) ابن الخطاب رضي اللّه عنه قال عبد الحق: وليس إسناده مما يحتج به وقال ابن القطان: فيه من لا أعرف اهـ لكن رواه ابن زنجويه من طريق آخر وزاد: وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم انتهوا. 3331 - (تعمل هذه الأمة برهة) بضم الباء وقد تفتح أي مدة من الزمان (بكتاب اللّه) أي القرآن يعني بما فيه (ثم تعمل برهة بسنة رسول اللّه) صلى اللّه عليه وسلم أي بهديه وطريقته وما سنه من الأحكام (ثم تعمل) بعد ذلك (بالرأي) -[والرأي المذموم هو في حال وجود النص الواضح. أما إذا أشكل الحديث، أو لم يأت في الموضوع آية أو خبر أو أثر، فقد لجأ معظم المجتهدين وأصحاب المذاهب إلى الاستنباط والقياس، وهما ثابتان مقبولان بنص القرآن والسنة. قيل لأبي حنيفة؟؟: إنك تقيس، وأول من قاس إبليس. فأجاب ما حاصله أن إبليس قاس ليعصي (رغم وجود الأمر) وإني أقيس لأطيع (لعدم وجود النص)... فرحم الله امرأ عرف الحق فوقف عنده ولم يتعسف. دار الحديث]- في النهاية: المحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي يعنون أنهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث وما لم يأت به خبر ولا أثر (فإذا عملوا بالرأي) كما ذكر (فقد ضلوا وأضلوا) أي استحسنوا رأي أنفسهم وعملوا به فقد ضل العاملون في أنفسهم وأضلوا من تبعهم. - (ع عن أبي هريرة) قال المحقق أبو زرعة: لا ينبغي الجزم بهذا الحديث فإنه ضعيف اهـ ولم يبين وجه ضعفه وبينه الهيثمي فقال: فيه عثمان بن عبد الرحمن الزهري متفق على ضعفه اهـ وبه يعرف أن سكوت المصنف عليه غير مرضي وقال في الميزان: عثمان هذا قال البخاري تركوه ثم ساق له أخباراً هذا منها. 3332 - (تعوذوا باللّه من جهد البلاء) بفتح الجيم أفصح من ضمها الحالة التي يمتحن بها الإنسان أو بحيث يتمنى الموت [ص 257] ويختاره عليها أو قلة المال وكثرة العيال أو غير ذلك (ودرك الشقاء) بتحريك الراء وسكونها اسم من الإدراك لما يلحق الإنسان من تبعة والشقاء بمعنى الشقاوة وقال ابن حجر رحمه اللّه تعالى: هو الهلاك وقيل هو واحد درجات جهنم ومعناه من موضع أهل الشقاوة وهي جهنم أو من موضع يحصل لنا فيه شقاوة أو هو مصدر إما مضاف إلى المفعول أو إلى الفاعل أي من درك الشقاء إيانا أو من دركنا الشقاء (وسوء القضاء) أي المقضي لأن قضاء اللّه كله حسن لا سوء فيه وهذا عام في أمر الدارين (وشماتة الأعداء) أي فرحهم ببلية تنزل بعدوهم وسرورهم بما حل بهم من البلايا والرزايا والخصلة الأخيرة تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة مستقلة فإن كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء لأن شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء وشماتة الأعداء تقع لكل منهما. - (خ) في القدر وغيره (عن أبي هريرة) قضية كلام المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم الديلمي في مسند الفردوس والصدر المناوي إلى مسلم أيضاً في الدعوات ورواه عنه أيضاً النسائي وغيره. 3333 - (تعوذوا باللّه من جار السوء في دار المقام فإن الجار البادي يتحول عنك) قال الديلمي: البادي الذي يسكن البادية قال لقمان عليه السلام لابنه فيما رواه البيهقي عنه بسند عن الحسن: يا بني حملت الجندل والحديد وكل ثقيل فلم أحمل شيئاً أكثر من جار السوء وذقت المرار فلم أذق شيئاً أمر من الصبر. - (ن) وكذا البيهقي في الشعب (عن أبي هريرة) وأبي سعيد معاً قال الحافظ العراقي: وسنده صحيح. 3334 - (تعوذوا باللّه من ثلاث فواقر) أي دواهي واحدتها فاقرة كأنها تحطم فقار الظهر (جار سوء) بالإضافة (إن رأى خيراً) عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي إن اطلع منك على خير (كتمه) عن الناس حسداً وشرة وسوء طبيعة (وإن رأى) عليك (شراً أذاعه) أي أفشاه بين الناس ونشره (وزوجة سوء) بالإضافة (إن دخلت) أنت (عليها) في بيتك (لسنتك) أي رمتك بلسانها وآذتك به (وإن غبت عنها خانتك) في نفسها أو مالك أو عرضك (وإمام سوء) بالإضافة (إن أحسنت) إليه بقول أو فعل (لم يقبل) ذلك منك (وإن أسأت لم يغفر) لك ما فرط منك من زلة أو سهوة أو هفوة أو جفوة. - (هب عن أبي هريرة) وفيه أشعث بن هجام الهجيمي قال الذهبي في الضعفاء: ضعفوه وفي الميزان عن النسائي متروك الحديث وعن البخاري منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر. 3335 - (تعوذوا باللّه من الرغب) بالتحريك العشار المكاس أي تعوذوا من مثل حاله أو من قربه أو من أذيته وسعايته هذا ما قرره بعض الشارحين ثم وقفت على نسخة المصنف التي بخطه فرأيته كتب على الحاشية بإزاء الرغب هو كثرة الأكل هكذا كتب بخطه وهو حسن غريب ثم رأيت مخرج الحديث الحكيم الترمذي فسره بكثرة الأكل والجماع فقال: الرغب كثرة الأكل والشبع مفقود حتى يحتاج صاحبه أن يأكل في اليوم مرات وصاحب هذا ممن الحرص عليه غالب فالتهاب نار الحرص يهضم طعامه وينشف رطوبته حتى يسرع في يبسه فيصير تفلاً يحتاج إلى أن ينقصه قال: وكانت لأبي سعيد الخدري ابنة رغيبة فدعا اللّه عليها فماتت [ص 258] قال: والحرص على الطعام جعامة النفس وإذا كانت النفس جعمة فصاحبها مفتون وابتلى اللّه الآدمي بهذه الشهوات فرب نفس مالت جعامتها إلى البطن ورب نفس مالت إلى الفرج فلذلك تجد الناس على ذلك فإذا عجز عنه فعلاً لنحو كبر أو ضعف فقلبه منهوم ولسانه رافث وعينه طماحة خائنة. - (الحكيم) الترمذي (عن أبي سعيد) الخدري. 3336 - (تغطية الرأس بالنهار فقه) أي من نتائج الفهم لكلام العلماء الحكماء فإن عندهم أن التقنع نهاراً محبوب مطلوب (وبالليل ريبة) أي تهمة يستراب منها فإن من وجد إنساناً متقنعاً ليلاً إنما يظن به أنه لص أو يريد الفجور بامرأة أو نحو ذلك وإلا لما غطى وجهه وستر أمره ومحصول ذلك أنه نهاراً حسن وليلاً مذموم. - (عد عن واثلة) بن الأسقع وفيه نعيم بن حماد قال الذهبي: لين الحديث عن بقية وحاله معروف. 3337 - (تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء) ممن دعا بدعاء متوفر الشروط والأركان (في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف في سبيل اللّه) أي في جهاد الكفار (وعند نزول الغيث) أي المطر (وعند إقامة الصلاة) يحتمل أنه يريد الصلوات الخمس ويحتمل العموم (وعند رؤية الكعبة) يحتمل أن المراد أول ما يقع بصر القادم إليها عليها ويحتمل أن المراد ما يشمل دوام مشاهدتها فما دام إنسان ينظر إليها فباب السماء مفتوح والدعاء مستجاب والأول أقرب، قال الغزالي: شرف الأوقات يرجع بالحقيقة إلى شرف الحالات فحالة القتال في سبيل اللّه يقطع عندها الطمع عن مهمات الدنيا ويهون على القلب حياته في حب اللّه وطلب رضاه وكذا يقال بنحوه في الباقي. - (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو مجمع على ضعفه جداً وقال ابن حجر: حديث غريب وقد تساهل الحاكم في المستدرك فصححه فرده الذهبي بأن فيه عفير بمهملة وفاء مصغراً واه جداً وقد تفرّد به وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه. 3338 - (تفتح أبواب السماء لخمس: لقراءة القرآن، وللقاء يوم الزحف) في قتال الكفار (ولنزول القطر، ولدعوة المظلوم، وللأذان) أي أذان الصلاة والمراد أن الدعاء في هذه الأوقات مستجاب كما أفصح به فيما قبله وقال العامري: كأنها تفتح لنزول النصر عند القتال ونزول البر للمصلين فإذا صادف الدعاء فتحها لم يردّ كما إذا صادف السائل باب السلطان الكريم مفتوحاً لا يكاد يخيب أمله وفيه حث على حضور المسجد في الوقت لانتظار الفريضة وإجابة الدعاء. - (طس) من حديث حفص بن سليمان (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر: غريب وحفص هو القارئ إمام في القراءة ضعيف في الحديث وقال الهيثمي: فيه حفص بن سليمان ضعفه الشيخان وغيرهما. 3339 - (تفتح أبواب السماء نصف الليل) الظاهر أن المراد ولا يزال مفتوحاً إلى الفجر (فينادي مناد) أي من السماء من الملائكة بأمر اللّه تعالى (هل من داع) أي طالب من اللّه (فيستجاب له هل من سائل فيعطى) مسؤوله والجمع بينه [ص 259] وبين ما قبله للتأكيد (هل من مكروب فيفرج عنه فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب اللّه له إلا زانية تسعى بفرجها) أي تكتسب (أو عشار) أي مكاس فإنه لا يستجاب لهما لجرم ذنبهما قالوا: إنما كان الفتح نصف الليل لأنه وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات، وهو وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب واستدرار الرحمة وفيوض الخيور. - (طب عن عثمان بن أبي العاص) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد وفيه كلام. 3340 - (تفتح لكم أرض الأعاجم) يعني العراقين بلاد كسرى ويحتمل أن المراد ما عدا أرض العرب وهو أقرب (وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات) من الحميم وهو الماء الحار وأول من اتخذه سليمان عليه السلام كما سبق (فلا يدخلها الرجال إلا بإزار) لأن دخولهم بدونه إن كان فيها أحد رأى عورته أو لا أحد فقد يفجأه أحد ذكره ابن جرير (وامنعوا النساء أن يدخلنها) مطلقاً ولو بإزار كما يفيده السياق (إلا مريضة أو نفساء) وقد خافت محذوراً من الاغتسال في البيت أو احتاجت إلى دخوله في شد الأعضاء ونحو ذلك فلا تمنعونهن حينئذ للضرورة فدخول النساء الحمام مكروه إلا لضرورة وهذا من معجزات المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقد وقع. - (ه عن ابن عمر) بن الخطاب رضي اللّه عنه. 3341 - (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس) حقيقة لأن الجنة مخلوقة وفتح أبوابها ممكن أو هو بمعنى كثرة الغفران ورفع المنازل وإعطاء جزيل الثواب (فيغفر فيهما لكل عبد لا يشرك باللّه شيئاً) أي ذنوبه الصغائر -فإن لم يوجد صغائر أو كفرت بخصال أخرى فنرجو من فضل اللّه أن يكفر من الكبائر بهذا وفي فتح الباري أن كل نوع من الطاعات مكفر لنوع مخصوص من المعاصي كالأدوية بالنسبة للداءات- بغير وسيلة طاعة (إلا رجل) قال التوربشتي: الوجه نصبه لأنه استثناء من كلام موجب وبه وردت الرواية الصحيحة وروى بالرفع قال الطيبي: وعليه فيقال الكلام محمول على المعنى أي لا يبقى ذنب أحد إلا ذنب رجل وذكر الرجل وصف طردي والمراد إنسان (كان بينه وبين أخيه) أي في الإسلام (شحناء) بفتح الشين المعجمة والمد أي عداوة (فيقال انظروا) بقطع الهمزة يعني يقول اللّه للملائكة النازلة بهدايا المغفرة أخروا وأمهلوا ذكره البيضاوي وقال الطيبي: ولا بد هنا من تقدير من يخاطب بقوله أنظروا كأنه تعالى لما غفر للناس سواهما قيل اللّهم اغفر لهما أيضاً فأجاب أنظروا (هذين) أتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التغيير والتنفير ذكره القاضي يعني لا تعطوا منها أنصباء رجلين بينهما عداوة (حتى) ترتفع و (يصطلحا) ولو بمراسلة عند البعد قال المنذري: قال أبو داود: إذا كان الهجر للّه فليس من هذا فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوماً وابن عمر هجر ابناً له حتى مات قال ابن رسلان: ويظهر أنه لو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالح وفي رواية اتركوا هذين حتى يفيئا. عد المصنف من خصائص هذه الأمة فتح السماء لأعمالهم وأرواحهم. - (خد م) في البر (د) في الأدب (ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضاً الترمذي وابن حبان ولم يخرجه البخاري ووهم المحب الطبري في عزوه له. [ص 260] 3342 - (تفتح) بضم الفوقية مبنياً للمفعول (اليمن) أي بلادها سمي يمناً لأنه يمين الكعبة أو الشمس أو باسم يمن بن قحطان (فيأتي قوم يبسون) بفتح المثناة التحتية أو ضمها مع كسر الموحدة أو ضمها وشد السين من البس وهو سوق بلين أي يسوقون دوابهم إلى المدينة أو معناه يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها (فيتحملون) من المدينة إلى اليمن (بأهليهم) أي زوجاتهم وأبنائهم (ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى اليمن وهو عطف على أهليهم والمراد أن قوماً ممن يشهد فتحها إذا رأوا سعة عيشها هاجروا إليها ودعوا إلى ذلك غيرهم (والمدينة) أي والحال أن الإقامة بالمدينة (خير لهم) من اليمن لكونها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات (لو كانوا يعلمون) بفضلها وما في الإقامة بها من الفوائد الدينية والعوائد الأخروية حتى يحتقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها ذكره البيضاوي وأيده الطيبي بتنكير قوم ووصفهم بكونهم يبسون ثم توكيده بقوله لو كانوا يعلمون لإشعاره بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني وأعرض عن الإقامة في جوار المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ولذلك كرر قوماً ووصفه في كل مرتبة بقوله يبسون استهجاناً لذلك الفعل القبيح وجواب لو محذوف أي لو كانوا من العلماء لعلموا أن إقامتهم بالمدينة أولى وقد تجعل للتمني فلا جواب لها (وتفتح الشام) سمي به لكونه عن شمال الكعبة وفتح اليمن قبل الشام كما يلوح به ابتداء الخبر وللإتفاق على أنه لم يفتح شيء من الشام في عهد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فقول مسلم تفتح الشام ثم اليمن ثم العراق مؤول بأن الثانية للترتيب الإخباري (فيأتي قوم يبسون) بفتح أوله وضمه وكسر الموحدة وضمها (فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى الشام (والمدينة خير لهم) منها لما ذكر (لو كانوا يعلمون) بفضلها فالجواب محذوف كما في السابق واللاحق دل عليه ما قبله وإن كانت لو بمعنى ليت فلا جواب لها وكيفما كان ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيراً جسيماً (وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) راحلين إلى العراق (والمدينة خير لهم) من العراق (لو كانوا يعلمون) وهذه معجزة ظاهرة للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم لإخباره بفتح هذه الأقاليم وأن الناس يتحولون إليها بأهليهم ويفارقون المدينة ولو لازموها لكان خيراً وقد كان ذلك كله على الترتيب المذكور وأما رواية تقديم فتح الشام على اليمن فمعناها أن استيفاء فتح اليمن إنما كان بعد الشام وأفاد فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو إجماع وأن بعض البقاع أفضل من بعض. - (مالك) في آخر الموطأ (ق) في الحج (عن سفيان) بتثليث السين (بن أبي زهير) قال ابن حجر: واسم أبي زهير القرد بكسر القاف الشنؤي بفتح المعجمة وضم النون وبعد النون همزة ويقال الشنأى النمري بفتح النون صحابي حديثه في البخاري. 3343 - (تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم) لأن تفريغ المحل شرط لتنزلات غيث الرحمة وما لم يتفرغ المحل لم يصادف الغيث محلاً ينزل فيه ولو فرغ العبد المحل وهيأه وأصلحه لرأى العجائب وفضل اللّه لا يرده عن العبد إلا المانع الذي في قلبه من دنس الدنيا ودغلها وإذا تفرغ منها العبد وأقبل على ربه صنع له جميلاً وهيأ له تدبيراً ينال به فوز العاجل والآجل وسعادة الدارين ولهذا [ص 261] قال بعضهم: هذا أصل عظيم في تمهيد الطريق إلى الحق تقدير بصرف هموم الدنيا المستولية على قلوب الورى الشاغلة لهم عن الإقبال على مولاهم وهمومها كل هم ينشأ عن الهوى في لذة من لذاتها كملبس ومأكل ومنكح ومال وحشم وجاه فكل هم منها يحجب عن اللّه وعن الآخرة بحسب قوته وضعفه، ولا طهارة للقلب إلا بالفراغ منها، هماً هماً ولهذا قال (ما استطعتم) أي لا تتكلفوا بالتفريغ منها كلها جملة واحدة فإنه غير ممكن بل بالتدريج حسبما يعرفه خواص المسلكين وإنما يزال الشيء بضده فيستحضر بدوام الذكر وصفاء القلب هماً من هموم الآخرة فيدفع هماً من هموم الدنيا وينزله مكانه وهكذا لو غلب عليه الحرص يستحضر التوكل أو الأمل يستحضر قرب الأجل أو العاجل استحضر الآجل أو الحرام استحضر غضب الملك العلام، وهكذا حتى يدفع بجميع همومها فيسير إلى الحق بكليته ويقبل عليه بحقيقته (فإن من كانت الدنيا أكبر همه) أي أعظم شيء يهتم به ويصرف كليته إليه (أفشى اللّه تعالى ضيعته) أي كثر عليه معاشه ليشغله عن الآخرة (وجعل فقره بين عينيه) لأنه إذا رأى منه إقبالاً على هذه الدنيا الدنيئة والشهوة الرديئة أعرض عنه حتى يتمكن حب هذه القاذورات منه ويتعالى في الغلو فيها فيضادّ أقضية اللّه وتدبيره فيبوء بتدبيره ومن ثم قيل: من كانت الدنيا همه كثر في الدنيا والأخرى غمه (ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع اللّه له أمره وجعل غناه في قلبه وما أقبل عبد بقلبه إلى اللّه تعالى إلا جعل قلوب المؤمنين تفد) أي تسرع (إليه بالود والرحمة) أي من تفرغ من هموم الدنيا أقبل قلبه على اللّه بكليته أي حباً ومعرفة وخوفاً فدل على أن هذا الإقبال ممكن وثمرته عاجلة أن يجعل اللّه تعالى له محبة ورحمة في قلوب خواص عباده ثم بين أثر ذلك بقوله تفد إليه بالودّ أي تقبل على مهماته وخدمته محبة له ثم أكد ذلك بغاية المنى فقال: (وكان اللّه تعالى بكل خير إليه أسرع) أي إلى حبه وكفايته ومعونته من جميع عباده ليعرف بركة فراغ قلبه ومن الخير الذي يسرع اللّه به إليه ما قال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم من جعل الهموم هماً واحداً كفاه اللّه هموم الدنيا والآخرة ومن كانت الدنيا أكبر همه تخوف بأحوالها وتقلبها ورغب في الجمع والمنع وذلك سم قاتل فمن رفض ذلك انكشف له الغطاء فوجد اللّه كافياً له في كل أمر فرفع باله عن التدبير لنفسه وأقبل على ملاحظة تدبير اللّه واستراح وسخر إليه الناس وأفاض عليه الخير بغير حساب ولا قياس فإنّ امرءاً دنياه أكبر همه * لمستمسك منها بحبل غرور قال الغزالي: ومن الأدوية النافعة في ذلك أن يتحقق أن فوات لذات الآخرة أشد وأعظم من فوات لذات الدنيا فإنها لا آخر لها ولا كدر فيها فلذات الدنيا سريعة الدثور وهي مشوبة بالمكدرات فما فيها لذة صافية عن كدر وفي الإقبال على الأعمال الأخروية والطاعات الربانية تلذذ بمناجاته تعالى واستراحة بمعرفته وطاعته وطول الأنس به ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما يجده من حلاوة الطاعة وروح الأنس بمناجاته لكفى فكيف بما يضاف إليه من النعيم الأخروي لكن هذه اللذة لا تكون في الإبتداء بل بعد مدة حتى يصير له الخير ديدناً كما كان السوء له ديدناً. - (طب) وكذا في الأوسط (عن أبي الدرداء) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب وهو كذاب اهـ. وكذا ذكره غيره. 3344 - (تفقدوا نعالكم عند أبواب المساجد) إذا أردتم دخولها وإدخال النعال معكم فإن كان علق بها قذر فأميطوه لئلا يصيب شيئاً من أجزاء المسجد فينجسه أو يقذره وتقذيره ولو بالطاهرات حرام. - (حل عن ابن عمر) بن الخطاب ثم [ص 262] قال: لم نكتبه إلا من حديث أحمد بن صالح الشمومي انتهى. وأحمد هذا قال في الميزان عن ابن حبان يضع الحديث وساق هذا الحديث من مناكيره. 3345 - (تفكروا في كل شيء) استدلالاً واعتباراً من التفكر وهو يد النفس التي تنال بها المعلومات كما تنال بيد الجسم المحسوسات قاله الحرالي وقال الراغب: الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم وهو تخيل عقلي موجود في الإنسان والتفكر جولان تلك القوة بين الخواطر بحسب نظر العقل وقد يقال للتفكر الفكر وربما ضل الفكر وأخطأ ضلال الرائد وخطاه والتفكر لا يكون إلا فيما له ماهيته مما يصح أن يجعل له صورة في القلب مفهوماً فلهذا قال (ولا تفكروا في ذات اللّه فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق-["وهو فوق ذلك": "فوقيّة" منزهة عن صفات الأجسام، فهي لا تزيده من الأرض بعدا ولا من السماء قربا، كما في قواعد العقائد لحجة الإسلام الإمام الغزالي. دار الحديث]- ذلك كله) قال الديلمي: وفي رواية لابن عباس زيادة وإن ملكاً من حملة العرش يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله قد مرقت قدماه في الأرض السفلى ومرق رأسه من السماء السابعة العليا والخالق أعظم من المخلوق. قال الفخر الرازي: أشار بهذا الحديث إلى أن من أراد الوصول إلى كنه العظمة وهوية الجلال تحير وتردّد بل عمي فإن نور جلال الإلهية يعمي أحداق العقول البشرية وذلك النظر بالكلية في المعرفة يوقع في الضلال والطرفان مذمومان والطريق القويم أن يخوض الإنسان البحث المعتدل ويترك التعمق ومن ثم سميت كلمة الشهادة كلمة العدل فإن قيل كيف أمر اللّه بالعدل في بحر التوحيد وقد قال - (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان]) الأصبهاني (في العظمة) أي في كتاب العظمة (عن ابن عباس). 3346 - (تفكروا في الخلق) أي تأمّلوا في المخلوقات ودوران الفلك وارتفاع هذا السقف المرفوع بغير عمد ومجاري هذه البحار والأنهار فمن تحقق ذلك علم أن له صانعاً ومدبراً لا يعزب عنه مثقال ذرة، وفي النصائح املأ عينيك من زينة هذه الكواكب وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكراً في قدرة مقدرها متدبراً حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر ويحال بينك وبين النظر (ولا تفكروا في الخالق) فإن كل ما يخطر بالبال فهو بخلافه (فإنكم لا تقدرون قدره) أي لا تعرفونه حق معرفته لما له من الإحاطة بصفات الكمال ولما جبلتم عليه من النقص قال العارف ابن عطاء اللّه: الفكرة سير القلب في ميدان الأغيار، الفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فلا إضاءة له، الفكرة فكرتان فكرة تصديق وإذعان وهي لأرباب الاعتبار المستدلين بالصفة على الصانع وبالمخلوق على الخالق أخذاً من قوله سبحانه وتعالى - (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان]) في كتاب العظمة (عن ابن عباس) قال: خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم على قوم ذات يوم وهم يتفكرون فقال: ما لكم لا تتكلمون فقالوا: نتفكر في اللّه فذكره. 3347 - (تفكروا في خلق اللّه) أي مخلوقاته التي يعرف العباد أصلها جملة لا تفصيلاً كالسماوات بكواكبها وحركتها ودورانها في طلوعها وغروبها والأرض بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها وما بينهما وهو الجو بغيومه وأمطاره ورعده وبرقه وصواعقه وما أشبه ذلك فلا تتحرك ذرة منه إلا وللّه سبحانه ألوف من الحكمة فيه [ص 263] شاهدة له بالوحدانية دل على عظمته وكبريائه والتفصيل يطول والتفكر هو المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق قال القاضي: وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله: وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد ألا ترى إلى نصبه السماء ذات الطرائق ورفعه الفلك فوق رؤوس الخلائق وإجرائه الماء بلا سائق وإرساله الريح بلا عائق؟ فالسماوات تدل على نعته والفلك يدل على حسن صنعته والرياح نشر من نسيم رحمته والأرض تدل على تمام حكمته والأنهار تفجرت بعذوبة كلمته والأشجار تخبر بجميل صنعته (ولاتفكروا في اللّه فتهلكوا) لأن للعقول كما قال ابن عربي: حدٌّ اتفق عنده من حيث هي مفكر وآية مناسبة بين الحق الواجب الوجود لذاته وبين الممكن وإن كان واجباً به عند من يقول به وما أخذه الفكر به إنما يقوم صحيحه من البراهين الوجودية ولا بد بين الدليل والمدلول والبرهان والمبرهن عليه من وجه به يكون التعلق له نسبة إلى الدليل ونسبة إلى المدلول فلا يصح أن يجتمع الخلق والحق في وجه أبداً من حيث الذات بل من حيث إن هذه الذات منعوتة بالألوهية فهذا حكم آخر يستقل العقول بإدراكه وكم من عاقل يدعي العقل الرصين من العلماء النظار يقول: إنه حصل على مفرقة الذات من حيث النظر الفكري وهو غالط لتردده بفكره بين السلب والإثبات راجع إلى الوجود والسلب إلى العدم والنفي لا يكون صفة ذاتية لأن الصفات الذاتية للموجودات إنما هي ثبوتية فما حصل هذا المفكر المتردد بينهما من العلم باللّه على شيء. - (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان]) في العظمة (عن أبي ذر) الغفاري. 3348 - (تفكروا في آلاء اللّه) أي أنعمه التي أنعم بها عليكم قال القاضي: والتفكر فيها أفضل العبادات (ولا تفكروا في اللّه) فإن العقول تحير فيه فلا يطيق مد البصر إليه إلا الصديقون ثم لا يطيقون دوام النظر بل سائر الخلق أحوال أبصارهم بالإضافة إلى جلاله كبصر الخفاش بالإضافة إلى الشمس فلا يطيقه البتة نهاراً ويتردد ليلاً لينظر في بقية نور الشمس فحال الصديقين كحال الإنسان في النظر إلى الشمس فإنه يقدر على نظرها ولا يطيق دوامه فإنه يفرق البصر ويورث الدهش فكذا النظر إلى ذات اللّه يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل فالصواب أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذاته وصفاته لأن أكثر العقول لا تحتمله. (تنبيه} قال الراغب: نبه بهذا الخبر على أن غاية معرفة الإنسان ربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة ويعرف أثر الصنعة فيها وأنها محدثة وأن محدثها ليس إياها ولا مثلاً لها بل هو الذي يصح ارتفاع كلها بعد بقائه ولا يصح بقاؤها وارتفاعه ولما كان معرفة العالم كله يصعب على المكلف لقصور الأفهام عن بعضها واشتغال البعض بالضروريات جعل تعالى لكل إنسان من نفسه وبدنه عالماً صغيراً أوجد فيه مثال كل ما هو موجود في العالم الكبير ليجري ذلك من العالم مجرى مختصر عن كتاب بسيط يكون مع كل أحد نسخة يتأملها حضراً وسفراً وليلاً ونهاراً فإن نشط وتفرغ للتوسع في العلم نظر في الكتاب الكبير الذي هو العالم فيطلع منه على الملكوت ليقرر علمه وإلا فله مقنع بالمختصر - (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان]) في العظمة (طس عد هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال البيهقي: هذا إسناد فيه نظر قال الحافظ العراقي: قلت فيه الوزاع بن نافع متروك. 3349 - (تفكروا في خلق اللّه) قال الجنيد: أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد (ولا تفكروا في اللّه) فإنه لا تحيط به الأفكار، قالوا: كان الرجل من بني إسرائيل إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته سحابة ففعله رجل فلم تظله فشكى لأمه فقالت: لعلك أذنبت قال: لا قالت: فهل نظرت إلى السماء فرددت طرفك غير مفكر فيها قال: نعم قالت: من ههنا أتيت، فعلى العاقل أن لا يهمل التفكر ومن الجوائز أن تروح غداً مع الجائز فالحازم لا يترك مسارح [ص 264] النظر ترقد ولا تكرى إلا وهو يقظان الفكر، نهار يحول وليل يزول وشمس تجري وقمر يسري وسحاب مكفهر وبحر مستطر وخلق تمور ووالد يتلف وولد يخلف ما خلق اللّه هذا باطلاً وأن بعد ذلك أثواباً وأحقاباً وحشراً ونشراً وثواباً وعقاباً قال الروذباذي: التفكر على أربعة أنحاء فكرة في آيات اللّه وفكرة في خلقه وعلامتها تولد المحبة وفكرة في وعد اللّه بثواب وعلامتها تولد الرغبة وفكرة في وعيده بالعذاب وعلامته تولد الرهبة وفكرة في جفاء النفس مع إحسان اللّه وعلامتها تولد الحياء من اللّه. - (حل عن ابن عباس) قال: خرج علينا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: ما تفكرون قالوا: نتفكر في اللّه فذكره قال الهيثمي: فيه الوزاع متروك شيخه العراقي سنده ضعيف جداً قال: ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من وجه أصح من هذا وقال السخاوي: هذه الأحاديث أسانيدها كلها ضعيفة لكن اجتماعها يكسب قوة. 3350 - (تقبلوا) ويروى تكفلوا (لي بست) من الخصال (أتقبل لكم الجنة) أي تكفلوا لي بفعل هذه الستة أتكفل لكم بدخول الجنة والقبيل الكفيل (إذا حدث أحدكم فلا يكذب) أي إلا لضرورة أو مصلحة محققة كما سبق (وإذا وعد فلا يخلف) وإن كان وعد صبية كما سبق ويجيء في خبر (وإذا ائتمن فلا يخن) فيما جعل أميناً عليه (غضوا أبصاركم) عن النظر فيما لا يجوز (وكفوا أيديكم) فلا تبسطوها لما لا يحل (واحفظوا فروجكم) عن الزنا واللواط ومقدماتهما والسحاق ونحوه ومن تكفل بالتزام هذه المذكورات فقد توقى أكثر المحرمات فهو جدير بأن يتكفل له بالجنة. - (ك هب) وكذا ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبيهقي (عن أنس) وفيه سعد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفوه وفي الميزان: أحاديثه واهية وقال النسائي: منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر وقال المنذري: رواته ثقات إلا سعد بن سنان قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير أن ابن سنان لم يسمع من أنس. 3351 - (تقرّبوا إلى اللّه) أي اطلبوا رضاه فالمراد بقرب العبد من ربه قربه بالعمل الصالح لا قرب المكان لأنه من صفات الأجسام المستحيلة عليه (ببغض أهل المعاصي) من حيث كونهم أهل المعاصي لا لذواتهم فالمأمور ببغضه في نفس الأمر إنما هو تلك الأفعال التي نهى الشارع عنها (والقوهم بوجوه مكفهرة) أي عابسة قاطبة فعسى أن ينجع ذلك فيهم فينزجروا (والتمسوا) ببذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة (رضا اللّه) عنكم (بسخطهم) عليكم فإنهم أعداء الكمال والفلاح والنجاح والصلاح (وتقربوا إلى اللّه بالتباعد عنهم) فإن مخالطتهم والقرب منهم دخان وصدأ للقلوب في وجه مرآة القلب وما استعين على التخلص من الشر بمثل البعد عن أسبابه ومظانه وشاهد ذلك من التنزيل أحب الصالحين ولست منهم * لعلي أن أنال بهم شفاعه وأكره من بضاعته المعاصي * وإن كنا جميعاً في البضاعه - (ابن شاهين في الأفراد عن ابن مسعود). 3352 - (تقعد الملائكة) أي الذين في الأرض منهم (على أبواب المساجد) أي الأماكن التي تقام فيها الجمعة وخص المساجد لما أن الغالب إقامتها فيها (يوم الجمعة) من أول النهار بقصد كتابة المبكرين إليها (فيكتبون) في صحفهم (الأول والثاني والثالث) وهكذا (حتى إذا خرج الإمام) ليصعد المنبر للخطبة (رفعت الصحف) أي طووا تلك الصحف ورفعوها للعرض -فمن جاء بعد ذلك فلا نصيب له في ثواب التبكير- والمقصود بيان فضل التبكير وهو نص صريح في الرد على مالك حيث لم يذهب لندبه. - (حم عن أبي أمامة) الباهلي. 3353 - (تقوم الساعة) أي القيامة (والروم أكثر الناس) ومن عداهم بالنسبة إليهم قليل وثبت في الصحيح أنه لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة لكن يكون الروم وهو قوم معروفون وهم أكثر الكفرة ذلك الوقت. - (حم م عن المستورد) ابن شداد فقال عمرو بن العاص للمستورد عند روايته ذلك: انظر ما تقول قال: أقول سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعة إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وأمنعهم ممن ظلم الملوك. 3354 - (تقول النار للمؤمن يوم القيامة) بلسان القال أو الحال (جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهيبي) -يحتمل أن المراد عند المرور على الصراط- لأن من أفاض اللّه الإيمان على قلبه وشرح به صدره فالنار أذل وأقل من أن تجترئ عليه بل إذا لمعت بوارق نور اليقين عليها أخمدها وأطفأها ولخواص أهل اللّه السطوة التي لا تضاها وبه عرف أن المراد المؤمن الكامل ومن خاف اللّه حق خيفته خافته المخاوف ذكره الكلاباذي وقال العارف المرسي رضي اللّه عنه: الدنيا كالنار تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نور قناعتك لهبي وقال بعضهم: أطفىء البلوى بماء الصبر وبرده فليست نار البلية أعظم من نار جهنم لهذا الخبر وذلك لأن نور المؤمن الذي يطفؤ به نار جهنم في القيامة هو نوره الذي كان معه في الدنيا فليطفئ به لهب البلوى ما دام في الدنيا وهذا الحديث وما أشبهه لا ينبغي أن يقص على العوام ولا يذكر على المنابر وفي المحافل وقد اشتد النكير على من قال: وددت أن قد قامت القيامة حتى نصب خيمتي على متن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق وحمله على ذلك الانبساط بالدعاوى ولو اتبع السلف الصالح لأمسك عن هذا الشطح ولم ينطق بما يوهم تحقير ما عظم اللّه شأنه من أمر النار حيث بالغ في وصفها فقال: - (طب حل) وكذا ابن عدي (عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (بن منية) بضم الميم وسكون النون وهو ابن أمية كما مر ومنية أمه وقيل جدته [ص 266] من مسلمة الفتح شهد حنيناً والطائف وتبوك وهو أول من أرخ الكتب وكان جواداً معروفاً بالخير والكرم قال الهيثمي: فيه سليم بن منصور وهذا منكر الحديث وعن العقيلي فيه تجهم وعن الدارقطني يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها ثم له هذا الخبر قال السخاوي: وهو مع ذلك منقطع بين خالد ويعلى. 3355 - (تكفير كل لحاء) بكسر اللام وحاء مهملة والمد أي مخاصمة ومسابة (ركعتان) يركعهما بعد الوضوء لهما فإنه يذهب الغضب كما ورد به خبر يجيء. - (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف -قال الجوهري: لاحيته ملاحاة ولحاء إذا نازعته وفي المثل من لاحاك فقد عاداك وتلاحوا إذا تنازعوا- وبين ذلك تلميذه الهيثمي فقال: فيه مسلمة بن علي وهو متروك وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم وفيه كلام كثير. 3356 - (تكون لأصحابي) من بعدي (زلة يغفرها اللّه لهم لسابقتهم معي) زاد الطبراني في روايته ثم يأتي بعدهم قوم يكبهم اللّه على مناخرهم في النار انتهى والحديث إشارة إلى ما وقع بين عظماء أصحابه من الحروب والمشاجرات التي مبدؤها قتل عثمان وكان بعده ما كان. - (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين ورواه الطبراني عن حذيفة قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن أبي الفياض يروي عن أشهب مناكير. 3357 - (تكون) بعدي (أمراء) بضم الهمزة جمع أمير (يقولون) أي ما يخالف الشرع والظاهر أنه أراد بالقول ما يشمل الفعل (ولا يرد عليهم) أي لا يستطيع أحد أن يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر لما يعلمون من حالهم أنه لا جواب لذلك إلا السيف (يتهافتون) أي يتساقطون من الهتف السقوط وأكثر ما يستعمل في الشر (في النار) نار جهنم (يتبع بعضهم بعضاً) أي كلما مات واحد فأدخل فيها يتولى آخر فيعمل عمله فيموت فيقفو أثره وهذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع. - (طب عن معاوية) بن أبي سفيان. 3358 - (تكون فتن) أي محن وبلايا (لا يستطيع أن يغير فيها) ببناء بغير للمجهول أي لا يستطيع أحد أن يغير فيها ما يقع من المنكرات المخالفة للشرع (بيد ولا لسان) لعدم امتثال أمره وخوف القتل فيكفي فيها إنكار ذلك بالقلب بحيث يعلم اللّه منه أنه ليس براض بذلك وأنه لو استطاع لغيره وكل ذلك قد وقع. - (رسته في الإيمان عن علي) أمير المؤمنين. 3359 - (تكون النسم) بعد الموت (طيراً) أي على هيئة الطير أو في حواصل الطير على ما سبق تفصيله (تعلق-وهو في الأصل للإبل إذا أكلت العصاة ويقال علقت تعلق علوقا فنقل إلى الطير- بالشجر) أي تأكل منه والمراد شجر الجنة (حتى إذا كان يوم القيامة) يعني إذا نفخ في الصور النفخة الثانية (دخلت كل نفس في جسدها) الذي كانت فيه في الدنيا بأن يعيد اللّه الأجساد كما كانت عند الموت وتسكن أرواحها إليها قال الحكيم الترمذي: لعل هذا أي كونها في جوف الطيور في أرواح كمل المؤمنين اهـ. - (طب عن أم هانئ) بنت أبي طالب أو امرأة أنصارية ذكر كل منهما الطبراني من طريق قالت: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضاً فذكره، وقضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجاً لأعلى من الطبراني وهو عجب فقد خرَّجه أحمد باللفظ المذكور عن [ص 267] أبي هريرة المزبور وقد سبق عن الحافظ ابن حجر وغيره أن الحديث إذا كان في غير الكتب الستة ورواه أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة. 3360 - (تمام البر) بالكسر (أن تعمل في السر عمل العلانية) فإن أبطن خلاف ما أظهر فهو منافق وإن اقتصر على العلانية فهو مرائي قال الماوردي: قال بعض الحكماء: من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، قال: فسري كإعلاني وتلك خليقتي * وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا ومن استوى سره وعلنه فقد كمل فيه أسباب الخير وانتفت عنه أسباب الشر وصار بالفضل مشهوراً وبالجميل مذكوراً. - (طب عن أبي عامر السكوني) بفتح المهملة وضم الكاف وأخره نون الشامي قال: قلت: يا رسول اللّه ما تمام البر فذكره قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف لم يتعمد الكذب وبقية رجاله وثقوا على ضعف فيهم ورواه الطبراني باللفظ المزبور من طريق آخر عن أبي مالك الأشعري ولو ضمه المصنف له لأحسن. 3361 - (تمام الرباط) أي المرابطة يعني مرابطة النفس بالإقامة على مجاهدتها لتستبدل أخلاقها الردية بالحميدة قال الراغب: المرابطة كالمحافظة وهي ضربان مرابطة في ثغور المسلمين ومرابطة النفس فإنها كمن أقيم في ثغر وفوض إليه مراعاته فيحتاج أن يراعيه غير مخل به كالمجاهدة بل هو الجهاد الأكبر كما في الحديث الآتي (أربعين يوماً) لأنها مدة يصير المداومة فيها على الشيء خلقاً كالخلق الأصلي الغريزي (ومن رابط أربعين يوماً لم يبع ولم يشتر ولم يحدث حدثاً) أي لم يفعل شيئاً من الأمور الدنيوية الغير الضرورية والحاجية أو غلق الباب وهجر الأصحاب وتجنب الأحباب (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي بغير ذنب قال البوني: أجمع السلف على أن حد الفتح الرباني والكشف الوهباني لا يصح لمن في معدته مثقال ذرة من طعام وهو حد الصمدانية الجسمانية والأشهر عندهم أنه لا يصح ولا يكون إلا بتمام الأربعين كما اشترط اللّه على كليمه عليه السلام وأشار بهذا الحديث وذلك لتطهر معدته من كثائف الأغذية فتقوى روحانية روحه ويصفو عقله وقلبه وليس في مراتب السالكين إلى اللّه تعالى في أطوار سلوك الاسم أقل من أربعة عشر يوماً ولا أقل لسالك مبادئ أسرار الصمدية من رياضة أربعة عشر وأما من تحركت عليه آثار العادة في أسبوع فقد ألزموه السبب وأخرجوه من الخلوات لعلمهم بخراب باطنه عن المرادات الربانية، إلى هنا كلامه. - (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه أيوب بن مدركة وهو متروك. 3362 - (تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار) أي النجاة من دخولها فذلك هو الغاية المطلوبة لذاتها فإن النعم تنقسم إلى ما هو غاية مطلوبة لذاتها والى ما هو وسيلة له أما الغاية فهي سعادة الآخرة ويرجع حاصلها إلى أمور أربعة بقاء لا فناء له وسرور لا غم فيه وعلم لا جهل معه وغنى لا فقر بعده وهي النعمة الحقيقية التي أشار إليها هنا وسئل بعض العارفين ما تمام النعمة قال: أن تضع رجلاً على الصراط ورجلاً في الجنة. - (حم خد ت) وكذا ابن منيع (عن معاذ) ابن جبل قال: مر النبي صلى اللّه عليه وسلم برجل يقول اللّهم إني أسألك تمام نعمتك قال: ما تدري تمام النعمة فذكره. 3363 - (تمسحوا بالأرض) ندباً بأن تباشروها بالصلاة بلا حائل بينكم وبينها (فإنها بكم برة) أي مشفقة كالوالدة [ص 268] البرة بأولادها يعني أن منها خلقتم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم فهي أصلكم الذي منه تفرعتم وأمكم التي منها خلقتم ثم هي كفاتكم إذا متم ذكره كله الزمخشري وبقوله أن تباشروها بالصلاة يعلم أن من قصر الأمر بالمباشرة على الجبهة حال السجود فقد قصر وقيل أراد التيمم، وقيل التواضع بمباشرتها قاعداً أو نائماً بلا حائل تشبهاً بالفقر أو إيثاراً للتقشف والزهد. - (طص) وكذا القضاعي في مسند الشهاب (عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي: رواه عن شيخه جبلة بن محمد ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح غير عبد اللّه بن محمد بن عمرو الغنوي وهو ثقة. 3364 - (تمعددوا) أي تشبهوا بمعد بن عدنان في تقشفهم وخشونة عيشهم وكانوا أهل تقشف وفي رواية ذكرها ابن الأثير تمعززوا أي تشدّدوا في الدين وتصلبوا من العز والقوة والشدة والميم زائدة كتمسكنوا من السكون (واخشوشنوا) أمر من الخشونة أي البسوا الخشن لا الحسن واطرحوا ذي العجمة وتنعمهم وإيثارهم لين العيش وفي رواية ذكرها ابن الأثير واخشوشبوا بالباء الموحدة (وانتضلوا -يحتمل أن المراد تعلموا الرمي بالسهام في الصحاح انتضل القوم وتناضلوا رموا السبق- وامشوا حفاة) قال الرامهرمزي: يعني اقتدوا بمعد بن عدنان في لبس الخشن والمشي حفاة فهو حث على التواضع ونهي عن إفراط الترفه قال بعضهم: وقد أجمع العلماء والحكماء على أن النعيم لا يدرك إلا بترك التنعم، قال الغزالي رحمه اللّه: التزين بالمباح غير حرام لكن الخوض فيه يوجب الأنس به حتى يشق تركه واستدامة الزينة لا تمكن إلا بمباشرة أسباب في الغالب يلزم من مراعاتها إرتكاب المعاصي من المداهنة ومراعاة الخلق فالحزم اجتناب ذلك نعم يحرم على غني لبس ثوب خشن ليعطى لأن كل من أعطي شيئاً لصفة ظنت فيه وخلى عنها باطناً حرم عليه قبوله ولم يملكه وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس عن أبي بكر مرفوعاً من مشى حافياً في طاعة اللّه لا يسأله اللّه عز وجل يوم القيامة عما افترض عليه قال الطبراني: تفرد به محمد وشيخه لم أرض ذكرهما قال بعضهم: ورد الحفاء من قول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وفعله وأخذ منه ندب الحفاء في بعض الأحوال بقصد التواضع حيث أمن مؤذياً وتنجيساً ويؤيده ندبه لدخول مكة بهذه الشروط قالوا: ومتى قصد بلباس أو نحوه نحو تكبر كان فاسقاً. - (طب) عن أبي حدرد وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] وابن شاهين وأبو نعيم كلهم من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبي سعيد المقبري وهو ضعيف وقال الحافظ العراقي ورواه أيضاً البغوي وفيه اختلاف ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة والكل ضعيف. 3365 - (تناصحوا في العلم) أي في تعلمه وتعليمه يعني علموه وتعلموه بإخلاص وصدق نية وعدم غش (ولا يكتم بعضكم بعضاً) شيئاً من العلم عن أهله (فإن خيانة في العلم أشد من خيانة في المال) والمراد بالعلم الشرعي وما كان آلة له وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبو نعيم واللّه سائلكم عنه. - (حل) عن الحسن بن أحمد السبيعي عن علي بن الحميد الفضائري عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن عبد الرحمن بن مهدي عن الحسين بن زياد عن يحيى بن سعيد الحمصي عن إبراهيم بن المختار عن الضحاك (عن ابن عباس) والحسين بن زياد قال الأزدي متروك ويحيى بن سعيد الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: قال ابن عدي بين الضعف وإبراهيم بن المختار فيه خلاف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ونازعه المؤلف ورواه تمام في فوائده من حديث عبد القدوس بن حبيب الشامي عن عكرمة عن ابن عباس قال السخاوي: وعبد القدوس متروك الحديث ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال المنذري: ورواته ثقات إلا أن أبا سعد البقال واسمه سعيد بن المرزبان فيه خلاف. [ص 269] 3366 - (تناكحوا) لكي (تكثروا) ندباً وقيل وجوباً (فإني) تعليل للأمر بالتناكح لكثرة النسل (أباهي بكم) أي أفاخر بسبب كثرتكم (الأمم) السالفة (يوم القيامة) بين به طلب تكثير الناس من أمّته وهو لا يكون إلا بكثرة التناسل وهو بالتناكح فهو مأمور به قال بعض الشراح: وفيه أي بإطلاقه بحث لأن الشروع فيه بالفعل والاشتغال به تضييع ما هو أهم من العبادة ولذا علقوا الحكم بالمستطيع وقد اختلف فيه هل هو عبادة فقيل نعم وقيل لا ينعقد نذره قال ابن حجر: والتحقيق أن الصورة التي يستحب فيها يستلزم كونه حينئذ عبادة فمن نفى نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى صورة مخصوصة اهـ. واعلم أن النكاح من أثقل السنن محملاً وأصعب الحقوق قضاء وأعم الأمور نفعاً وأجزل القضايا أجراً فإنه بموضوعه للدين تحصين وللخلق تحسين وفيه ستر العورة المعرّضة للآفات وجلب للغنى والرزق وتكثير سواد أهل التوحيد. في فتاوى بعض أكابر الحنفية من له أربع نسوة وألف أمة وأراد شراء أخرى فلامه رجل يخاف عليه الكفر، ولو لامه أحد لو أراد تزوج ما فوق امرأة فكذلك، قال تعالى: - (عد عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري المدني (مرسلاً) ظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد متصلاً وهو قصور فقد أسنده ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف ورواه البيهقي في المعرفة وزاد في آخره عن الشافعي بلاغاً حتى السقط وسند المرسل والمسند مضعف. 3367 - (تنام عيناي ولا ينام قلبي) لأن النفوس الكاملة القدسية لا يضعف إدراكها بنوم العين واستراحة البدن ومن ثم كان سائر الأنبياء مثله لتعلق أرواحهم بالملأ الأعلى، ومن ثم كان إذا نام لم يوقظ لأنه لا يدري ما هو فيه ولا ينافيه نومه بالوادي عن الصبح لأن رؤيتها وظيفة بصرية. - (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن مرسلاً). 3368 - (تنزهوا من البول) أي تباعدوا عنه واستبرأوا منه والنزاهة البعد عن السوء فمن بمعنى عن وفي الزاهد أصل التنزه في كلامهم البعد مما فيه الأدناس والقرب مما فيه الطهارة (فإن عامة عذاب القبر منه) أي من ترك التنزه عنه يعني أنكم وإن خفف عنكم في شرعنا ورفعت عنكم الآصار والأغلال التي كانت على الأولين من قطع ما أصابه البول من بدن أو أثر فلا تتهاونوا بترك التحرز منه جملة فإن من أهمل ذلك عذب في أول منازل الآخرة وهذه المنزلة إن كانت سهلة فما بعدها أسهل منه أو صعبة فما بعدها أصعب وفيه أن عدم التنزه من البول كبيرة ووجهه النووي بأنه يستلزم بطلان الصلاة وتركها كبيرة وتعقبه العراقي بأن قضيته أنه ليس كبيرة لذاته وظاهر الحديث يخالفه فإنه رتب العذاب على ترك التنزه منه ولو كان لما يترتب عليه من بطلان الصلاة كان العذاب على تركها أو على الصلاة بنجس لا على ترك التنزه منه قال: فإن كان النووي لا يقول بأن ترك التنزه منه بانفراده كبيرة فلعله إنما صار كبيرة بالإصرار عليه ثم ترك التنزه منه إما بترك ملابسته وإما بغسله بتقدير حصول ملابسته فيستدل به على حرمة التضمخ بالبول بلا حاجة لمنافاته للتنزه عنه وعليه الشافعية وإطلاق الحديث الآمر بالتنزه عنه يتناول بوله وبول غيره وفيه أيضاً وجوب الاستنجاء وهو مذهب الشافعي وأحمد والمشهور عن أبي حنيفة ومالك أنه سنة قال الحكيم: إنما كان عامة عذاب القبر من البول لأن البول من معدن إبليس من جوف الآدمي فإنه مقره ومقعده فإذا لم يتنزه منه دخل القبر بنجاسة العدوّ فعذب فيه، وصرح الحكيم أيضاً بأن عذاب القبر إنما هو للمؤمنين لا للكافرين أما هم فعذابهم في القيامة لأن المؤمن حسابه في القبر أهون عليه من كونه بين يدي اللّه فيحاسبه اللّه في القبر على ألسنة الملائكة كأنه يستحي من عبده المؤمن فيعذب [ص 270] فيه ليخرج يوم القيامة طاهراً كما قال حذيفة في القبر حساب وفي الآخرة حساب فمن حوسب في القبر نجا ومن حوسب في الآخرة عذب إلى هنا كلامه وقال ابن عبد البر: الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ممن حقن الإسلام دمه وخالفهما عبد الحق وقال: بل تعم الكافر قال ابن سيد الناس: وفي إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية محضة دون جميع المعاصي مع العذاب بسبب غيره إن أراد اللّه في حق بعض عباده انتهى. - (قط) من حديث قتادة (عن أنس) ثم عقبه مخرجه الدارقطني بقوله مرسل انتهى وقال الذهبي: سنده وسط. 3369 - (تنظفوا بكل ما استطعتم) من نحو سواك وحلق وإزالة وسخ وصنان وغير ذلك في بدن وملبوس (فإن اللّه تعالى بنى الإسلام على النظافة) شبهه ببيت قام على عمود أو أعمدة والمراد النظافة صورة ومعنى والشرائع كلها منظفات أو صورة عن الحدثين والخبث والمكروه والثناء عليها مبالغة لبناء الأصول من نحو صلاة وقراءة وزكاة وصوم وحج ومخالطة وفروعها عليها فالتشبيه من وجهين أو بمعنى أنها مما بنى عليه كخبر بني الإسلام على خمس فلا حصر ولا منافاة وبه انزاح الإشكال (ولن يدخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير عذاب (إلا كل نظيف) أي نقي من الأدناس الحسية والمعنوية الظاهرة والباطنة كما تقرر وفيه أن النظافة مطلوبة في نظر الشرع وقد دل على هذا فيما ذكره بعضهم قوله تعالى - (أبو الصعاليك الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي ينسب إليها كثير من العلماء (في جزئه عن أبي هريرة) ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة بلفظ تنظفوا فإن الإسلام نظيف والطبراني في الأوسط بسند ضعيف فيه جداً كما قال الحافظ العراقي: النظافة تدعو إلى الإيمان. 3370 - (تنق-بفتح المثناة الفوقية والنون وشد القاف وتوق بفتح المثناة الفوقية والواو وشد القاف-) بالنون (وتوق) أي تخير الصديق ثم احذره أو اتق الذنب واحذر عقوبته أو تبق بالباء أي ابق المال ولا تسرف في الإنفاق. - (البارودي في المعرفة عن سنان) بن سلمة بن المحبر البصري الهذلي ولد يوم حنين وله رؤية وقد أرسل أحاديث. 3371 - (تنقه وتوقه) الهاء للسكت أي استنق النفس ولا تعرضها للهلاك وتحرز من الآفات. - (طب حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد اللّه بن مسعر بن كدام وهو متروك وفي الميزان عن العقيلي لا يتابع على حديثه والحديث لا يعرف إلا به ثم ساقه ذكر عقبه أنه تالف. 3372 - (تنكح المرأة لأربع) أي لأجل أربع أي أنهم يقصدون عادة نكاحها لذلك (لمالها -لأنه أوقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد الدين أولى-) بدل من أربع بإعادة العامل ذكره الطيبي (ولحسبها) بفتح المهملتين فموحدة تحتية شرفها بالآباء والأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل أراد بالحسب هنا أفعالها الحسنة الجميلة (ولجمالها -وفي الحديث خير النساء من تسر إذا نظرت وتطيع إذا أمرت ولا تخالف في نفسها ومالها ويؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة لكنهم كرهوا ذات الجمال البارع فإنها تزهو بجمالها-) أي حسنها ويقع على الصور والمعاني قال الماوردي: فإن كان عقد النكاح لأجل [ص 271] المال وكان أقوى الدواعي إليه فالمال إذن هو المنكوح فإن اقترن بذلك أحد الأسباب الباعثة على الائتلاف جاز أن يثبت العقد وتدوم الألفة وإن تجرد عن غيره فأخلق بالعقد أن ينحل وبالألفة أن تزول سيما إذا غلب الطمع وقل الوفاء وإن كان العقد رغبة في الجمال فذلك أدوم ألفة من المال لأن الجمال صفة لازمة والمال صفة زائلة فإن سلم الحال من الإدلال المفضي للملل دامت الألفة واستحكمت الوصلة وقد كرهوا شدة الجمال البارع لما يحدث عنه من شدة الإدلال المؤدي إلى قبضة الإذلال (ولدينها) ختم به إشارة إلى أنها وإن كانت تنكح لتلك الأغراض لكن اللائق الضرب عنها صفحاً وجعلها تبعاً وجعل الدين هو المقصود بالذات فمن ثم قال (فاظفر بذات الدين) أي اخترها وقربها من بين سائر النساء ولا تنظر إلى غير ذلك (تربت يداك) افتقرتا أو لصقتا بالتراب من شدة الفقر إن لم تفعل قال القاضي: عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى أربع خصال عدها واللآئق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره فلذلك حث المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه فأمر بالظفر بذات الدين الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة وقوله تربت وغير مرة أن أصله دعاء لكن يستعمل لمعان أخر كالمعاتبة والإنكار والتعجب وتعظيم الأمر والحث على الشيء وهو المراد أيضاً هنا وقد استدل بهذا الخبر من اعتبر المال في الكفاءة وأجيب من لم يعتبره كالشافعية بأن معنى كونها تنكح لذلك أن الغالب في الأغراض ذلك. - (ق د ن ه) في النكاح (عن أبي هريرة) وعد جمع هذا الحديث من جوامع الكلم. 3373 - (تهادوا تحابوا) قال ابن حجر تبعاً للحاكم إن كان بالتشديد فمن المحبة وإن كان بالتخفيف فمن المحاباة ويشهد للأول خبر البيهقي تهادوا يزيد في القلب حباً وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء وحث عليه خلق وهم الأولياء تؤلف القلوب وتنفي سخائم الصدور قال الغزالي: وقبول الهدية سنة لكن الأولى ترك ما فيه منة فإن كان البعض تعظم منته دون البعض رد ما تعظم. - (ع عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجاً لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد رواه النسائي في الكنى وسلطان المحدثين في الأدب المفرد قال الزين العراقي: والسند جيد وقال ابن حجر: سنده حسن. 3374 - (تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل) بكسر الغين المعجمة (عنكم) أي الحقد والشحناء لأن ابن آدم مقسوم عن ثلاثة أجزاء قلب بما فيه من الإيمان وروح بما فيه من طاعة الرحمن ونفس بما فيها من شهوة العصيان فالإيمان يدعو إلى اللّه والروح إلى الطاعة والنفس إلى البر والنوال فالقلوب تتآلف بالإيمان والروح بالطاعات وحظ النفس باق فإذا تهادوا تمت الألفة ولم يبق ثم حزازة. - (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة). 3375 - (تهادوا تزدادوا حباً) ندب إلى دوام المهاداة لتزايد المحبة بين المؤمنين فإن الشيء متى لم يزد دخله النقصان على مر الزمان ويحتمل تزدادوا حباً عند اللّه لمحبة بعضكم لبعض بقرينة خبر إن المتحابين في اللّه يظلهم اللّه تحت ظل عرشه (وهاجروا تورثوا أبناءكم مجداً) كانت الهجرة في الإسلام تجب من مكة إلى المدينة وبقي شرف الهجرة لأولاد المهاجرين بعد نسخها (وأقيلوا الكرام عثراتهم) أي زلاتهم في غير الحدود إذا بلغت الإمام على ما سبق تفصيله وفي [ص 272] حديث شر الناس من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة. - (ابن عساكر) في التاريخ والقضاعي (عن عائشة) قال ابن حجر: في إسناده نظر وفي آخر الموطأ عن عطاء الخراساني برفعه تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يره مخرجاً لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه أيضاً عن عائشة بلفظ تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجداً وأقيلوا الكرام عثراتهم. قال الهيثمي: فيه المثنى أبو حاتم لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات. 3376 - (تهادوا الطعام بينكم فإن ذلك توسعة في أرزاقكم) ومن كان واسع الإطعام أعطاه عطاءاً واسعاً ومن قتر قتر عليه (تنبيه} قال شيخنا العارف الشعراوي: كان التابعون يرسلون الهدية لأخيهم ويقولون نعلم غناك عن مثل هذا وإنما أرسلنا ذلك لتعلم أنك منا على بال. - (عد عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي في الفردوس وزاد بعد قوله لأرزاقكم في عاجل الخلق من جسيم الثواب يوم القيامة. 3377 - (تهادوا إن) في رواية الترمذي فإن (الهدية تذهب وحر الصدر) بواو وحاء مهملة مفتوحتين وراء غله وغشه وحقده وذلك لأن القلب مشحون بمحبة المال والمنافع فإذا وصله شيء منها فرح به وذهب من غمه بقدر ما دخل عليه من فرحه (ولا تحقرنّ جارة لجارتها) أي إهداء شيء لجارتها (ولو) أن تبعث إليها وتتفقدها (بشق فرسن شاة) وهو قطعة لحم بين ظلفي الشاة وحرف الجر زائد. قال الطيبي: وهو تتميم للكلام السابق، أرشد إلى أن التهادي يزيل الضغائن ثم بالغ حتى ذكر أحقر الأشياء من أبغض البغيضين إذا حملت الجارة على الضرة وهو الظاهر كما يدل له خبر أم زرع للمجاورة بينهما اهـ. وسبقه الزمخشري فقال: كنوا عن الضرة بالجارة تطيراً من الضرر. - (حم ت) من طريق أبي معشر (عن أبي هريرة) وقال أعني الترمذي غريب وأبو معشر مضعف وقال الطوفي إنه أخطأ فيه قال البخاري: وغيره منكر الحديث ثم أورد له هذا الخبر وقال ابن حجر: في سنده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف جداً. 3378 - (تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة) بمهملة فمعجمة الحقد في النفس والعداوة والبغضاء التي تسود القلب من السخام وهو الفحم جمعه سخائم لأن السخط جالب للحقد والبغضاء والهدية جالبة للرضى فإذا جاء بسبب الرضى ذهب بسبب السخط قال في الكشاف: والهدية اسم المهدي كما أن العطية اسم المعطى فتضاف إلى المهدي والمهدى إليه (ولو دعيت إلى كراع) يد شاة (لأجبت ولو أهدي إليّ كراع لقبلت) قال ابن حجر: هذا يرد قول من قال في حديث لو دعيت إلى كراع لأجبت أن الكراع فيه اسم مكان لا يثبت وفي المثل أعط العبد كراعاً يطلب ذراعاً قال ابن بطال: أشار عليه الصلاة والسلام بالكراع إلى الحث على قبول الهدية وإن قلت لئلا يمتنع الباعث من الهدية لاحتقار الشيء فحث على ذلك لما فيه من التآلف. - (هب) من حديث محمد بن منده عن بكر بن بكار عن عائذ بن شريح (عن أنس) بن مالك ومحمد بن منده أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم لم يكن بصدوق وبكر بن بكار هو القيسي قال النسائي: غير ثقة وعائذ لم يروه عن أنس غيره وقد ضعف وفي اللسان عن مهران أنه كذاب وفي الميزان عن أبي ظاهر عائذ [ص 273] ليس بشيء وهذا الحديث رواه الطبراني عن أنس بلفظ تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة وتورث المودة فواللّه لو أهدي إليّ كراع لقبلته ولو دعيت إلى ذراع لأجبت. قال الهيثمي: وفيه عائذ بن شريح ضعيف. 3379 - (تهادوا فإن الهدية تضعف الحب) أي تزيده (وتذهب بغوائل الصدر) جمع غل وهو الحقد والتهادي تفاعل فيكون من الجانبين والطلب في جانب المهدى إليه آكد فإن للبر أثقالاً والكريم لا يكاد يتخلص من تلك الأثقال إلا بأضعاف ذلك البر وإلا فهو في حياء وشغل نفس من الذي بره فإذا ضاعف عنه في المكافأة انحطت عنه أثقال بره وذهب خجل نفسه. - (طب عن أم حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف (بنت وداع) الخزاعية قال الهيثمي: وفيه من لا يعرف قال الحافظ ابن طاهر إسناده غريب وأقره ابن حجر. 3380 - (تواضعوا) للناس بلين الجانب وخفض الجناح (وجالسوا المساكين) والفقراء جبراً وإيناساً فإنكم إن فعلتم ذلك (تكونوا من كبراء اللّه) أي الكبراء عنده الذين يفيض عليهم رحمته (وتخرجوا من الكبر) فإنه من تواضع للّه رفعه اللّه قال في الحكم: من أثبت لنفسه تواضعاً فهو المتكبر حقاً إذ ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع بل المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع وقال ابن عربي: التواضع سر من أسرار اللّه منحه اللّه النبيين والصدّيقين وليس كل من تواضع تواضع ولا تنظر أن هذا التواضع الظاهر على أكثر الناس وبعض الصالحين هو التواضع بل هو تملق لسبب غاب عنك وكل يتملق على قدر مطلوبه وقال العارف الفضيل: من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب وقال زروق: الكبر اعتقاد المزيد وإن كان في أدنى درجات الضعة والتواضع عكسه هذا هو الحقيقة وهو عند أهل الرسوم والعموم ما يقدر عليه أرباب الفطنة والكياسة من شبه التملق. - (حل عن ابن عمر) بن الخطاب. 3381 - (تواضعوا لمن تعلمون منه) العلم أو غيره قال الماوردي: اعلم أن للمتعلم في زمن تعلمه ملقاً وتذللاً إن استعملهما غنم وإن تركهما حرم لأن التملق للعالم يظهر مكنون علمه والتذلل له سبب لإدامة صبره وبإظهار مكنونه تكون الفائدة وباستدامة صبره يكون الإكثار قال الحكماء: من لم يحتمل ذل العلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً وقالوا: إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب قعدت وأنت كبير حيث لا تحب قال: إن المعلم والطبيب كلاهما * لا ينصحان إذا هما لم يكرما فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه * واصبر لجهلك إن جفوت معلما ولا يمنعه من ذلك علو منزلته وإن كان العالم خاملاً فإن العلماء بعلمهم استحقوا التعظيم لا بالشهرة والمال وربما وجد الطالب قوة في نفسه لجودة ذكائه وحدة خاطره فترفع على معلمه ورماه بالإعنات والاعتراض فيكون كمن جاء فيه المثل السائر أعلمه الرماية كل يوم * فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي * فلما قال قافية هجاني وهذا من مصائب العلماء وانعكاس حظوظهم أن يصيروا عند من علموه مستجهلين ولدى من قدموه مرذولين وقد رجح كثير حق الشيخ على حق الوالد. {تنبيه} قال العارف ابن عربي: حرمة الحق في حرمة الشيخ وعقوقه في [ص 274] عقوقه والمشايخ حجاب الحق الحافظون أحوال القلوب فمن صحب شيخاً ممن يقتدى به ولم يحترمه فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه والغفلة عن اللّه وسوء الأدب عليه بأن يدخل عليه في كلامه ويزاحمه في رتبته فإن وجود الحق إنما هو للأدباء ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيخ ومن قعد معهم في مجالسهم وخالفهم فيما يتحققون به من أحوالهم نزع اللّه نور الإيمان من قلبه فالجلوس معهم خطر وجليسهم على خطر (تنبيه آخر) قال الغزالي: إن قيل هل يحصل العلم الذي تعلمه فرض ينظر الإنسان من غير معلم فاعلم أن الأستاذ فاتح وسهل والتحصيل معه أسهل وأروح واللّه تعالى بفضله يمنُّ على من يشاء من عباده فيكون هو معلمهم (وتواضعوا لمن تعلمون) بخفض الجناح والملاطفة (ولا تكونوا جبابرة العلماء) تمامه كما في مسند الفردوس فيغلب جهلكم علمكم انتهى قال تعالى:
|